كيف نستطيع أن نتقرّب أكثر في شهر رمضان؟
ليس شهر رمضان شهر الروحانية العلمانية وشهر الابتعاد عن المجتمع والناس/ لا تستطيع أن تعيش حالات القرب إلى الله إلا بعد أن كنت عنصرا سياسيّا وثوريّا/ كانت روحانيّة جبهات القتال في أيّام الدفاع المقدّس ناشئة من هذا العامل
المكان: طهران ـ هيئة شهدای گمنام (الشهداء المجهولين)
الزمان: 11/06/2015
تطرّق سماحة الأستاذ بناهيان في آخر جلسة من جلساته الأسبوعية في هيئة الشهداء المجهولين قبل شهر رمضان إلى موضوع «الاستعداد لشهر رمضان». فإليكم أهمّ المقاطع من كلمته:
إن لم نغتنم فرصة شهر رمضان، قد نحسب مستكبرين
بین جمیع أشهر السنة، يتيح لنا شهر رمضان أكثر فرصة للتقرّب إلى الله سبحانه. فإن لم ننتهز هذه الفرصة، عند ذلك يحقّ للّه عز وجل أن يحرمنا من التقرّب إليه في الأوقات الأخرى أيضا. إن لم نغتنم فرصة شهر رمضان المبارك فلعلّنا نحسب مستكبرين، إذ قال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرین) [الغافر/60].
ما دامت أبواب الرحمة الإلهية لم تفتح جميعا على مصراعيها، ولم تعمّنا الرحمة والمغفرة الإلهية، فإن لم نبادر بالدعاء ولم نتضرّع إلى الله قد لا نحسب مستكبرين وإن كنّا مذمومين بلا ريب. ولكن بعد ما فتح الله أبواب رحمته وقال: (أُدْعُونِي أسْتَجِبْ لَکم) [المصدر نفسه] فإن ضيّعنا هذه الفرصة، نستحق أن نكتب في عداد المستكبرين. ولذلك فإن شهر رمضان في نفس الوقت الذي هو محبوب ومحفوف بالرحمة والمغفرة، مع ذلك مصحوب بالهيبة والعظمة.
كل مآسينا بسبب ابتعادنا عن الله
لابدّ من الاستعداد لشهر رمضان ولذلك فإن شهر شعبان شهر مهمّ لهذا الغرض. فلنسأل الله في هذه الأيّام المتبقّية من شهر شعبان أن يجبر أيّامنا الماضية ويقدّر لنا مستقبلا حسناً. نحن إن تقرّبنا إلى الله تستقم جميع أحوالنا وشؤوننا الروحيّة، إذ كل مآسينا هي بسبب ابتعادنا عن الله.
لقد كان المجاهدون في أيّام الدفاع المقدّس قد آمنوا بهذه الحقيقة بشكل باهر وغريب. فكلما كانت تتأزّم الأوضاع في الجبهة، كانوا يلجأون إلى الله ويتعبّدون ويذكرون، فتنحلّ المشاكل والعقد. كانوا مصدّقين بهذه الحقيقة. حتى لم يكونوا ينتظرون أحدا ليستصحبوه، بل كانوا يذهبون ويلجأون إلى الله فرادى فيناجي كل واحد منهم ربّه بمعزل عن صاحبه، ثمّ يرجعون إلى إخوتهم وقد فكّوا العقد وحلّوا المشاكل.
لقد كان مجهادونا قد أيقنوا بأنه ما لم يتصلوا بالله لن تمشي أمورهم
ممّا لا شك فيه لا يمكن أن نسند كلّ نجاح مجاهدينا إلى ذكائهم العسكري. بالتأكيد إنهم كانوا أذكياء جدّا ولكن لم يكن الذكاء هو العامل الوحيد. كان هؤلاء المجاهدون يخططون خططا يرغمون بها جميع غرف التنظير التي كانت تدعم صدّام يومذاك.
كان مجاهدونا يستخرجون ذكاءهم العسكري عبر اتصالهم بالله. أوتدرون ما الذي كانوا قد أيقنوا به؟ كانوا قد أيقنوا بأنه ما لم يتصلوا بالله لن تمشي أمورهم، ولن تنقدح أفكارهم، ولن تجري الأوضاع لصالحهم. كانوا يدركون مدى البون الشاسع بين حياة الإنسان المقرّب وبين حياة غيره. لم يكونوا عشّاقا وحسب، بل كانوا يخافون الابتعاد عن الله. الأمر الذي قلّ ما نجده في أوساطنا هو «خوف الابتعاد عن الله».
من ذاق حلاوة التقرّب إلى الله يخاف الابتعاد عنه
غالبا ما نحن لا نخاف الابتعاد عن الله، ولكنّ المجاهدين والشهداء كانوا يخافون الابتعاد عن الله، وذلك لما كانوا قد ذاقوا حلاوة القرب من الله، لا لأنهم كانوا يخافون عذاب الله فقط. يقول أمير المؤمنين(ع): «وَ هُمْ فِي ذَلِكَ خَائِفُونَ أَنْ لَا یُقْبَلَ مِنْهُمْ وَلَیْسَ وَاللَّهِ خَوْفُهُمْ خَوْفَ شَکٍّ فِیمَا هُمْ فِیهِ مِنْ إِصَابَةِ الدِّینِ وَ لَکِنَّهُمْ خَافُوا أَنْ یَکُونُوا مُقَصِّرِینَ فِي مَحَبَّتِنَا وَ طَاعَتِنَا» [الكافي/8/128] إن هؤلاء قد ذاقوا لذّة القرب. إن حياة الإنسان المقرّب تختلف عن حياة غيره بكثير. ويعلم هؤلاء أن لابدّ من المداومة على الذكر لكي يبقوا في مقام قربهم بل يتقرّبوا إلى الله أكثر. فمن يعش بهذا الأسلوب يحظ بحياة طيبة من نمط آخر وسوف يعيش عيشة الملائكة، يعني سيكون أحد جنود الله كالملائكة.
يحصل الإنسان المقرّب على عين وأذن من نمط آخر. وكأنه يرتقي إلى مستوى أعلى من نظام العالم. لقد كان الإمام الخميني(ره) نموذجا من هؤلاء الرجال. فقد سأله آية الله السيد بهاء الديني(ره) في أوائل أيام انتصار الثورة: هل تعلم ما هي المخاطر القادمة؟ فأجابه الإمام(ره): «لیس الأمر بيدي»! أتعلمون معنى هذا الجواب؟ يعني أن السيد الإمام(ره) كان قد تجرّد عن نفسه، وتخلّص من قيود أنانيّته. كما أنّه عندما كان يزداد المجاهدون تقرّبا، كانت تعتريهم نفس هذه الحالة، بحيث كانوا يتجرّدون عن قيود أنفسهم وأنانيّتهم. إن هذه الحالة تؤدّي بهم إلى شيء من السكر والنشوة. وهذا هو السكر الذي يبحث عنه العرفاء في أشعارهم.
يتبع إن شاء الله
ليس شهر رمضان شهر الروحانية العلمانية وشهر الابتعاد عن المجتمع والناس/ لا تستطيع أن تعيش حالات القرب إلى الله إلا بعد أن كنت عنصرا سياسيّا وثوريّا/ كانت روحانيّة جبهات القتال في أيّام الدفاع المقدّس ناشئة من هذا العامل
المكان: طهران ـ هيئة شهدای گمنام (الشهداء المجهولين)
الزمان: 11/06/2015
تطرّق سماحة الأستاذ بناهيان في آخر جلسة من جلساته الأسبوعية في هيئة الشهداء المجهولين قبل شهر رمضان إلى موضوع «الاستعداد لشهر رمضان». فإليكم أهمّ المقاطع من كلمته:
إن لم نغتنم فرصة شهر رمضان، قد نحسب مستكبرين
بین جمیع أشهر السنة، يتيح لنا شهر رمضان أكثر فرصة للتقرّب إلى الله سبحانه. فإن لم ننتهز هذه الفرصة، عند ذلك يحقّ للّه عز وجل أن يحرمنا من التقرّب إليه في الأوقات الأخرى أيضا. إن لم نغتنم فرصة شهر رمضان المبارك فلعلّنا نحسب مستكبرين، إذ قال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرین) [الغافر/60].
ما دامت أبواب الرحمة الإلهية لم تفتح جميعا على مصراعيها، ولم تعمّنا الرحمة والمغفرة الإلهية، فإن لم نبادر بالدعاء ولم نتضرّع إلى الله قد لا نحسب مستكبرين وإن كنّا مذمومين بلا ريب. ولكن بعد ما فتح الله أبواب رحمته وقال: (أُدْعُونِي أسْتَجِبْ لَکم) [المصدر نفسه] فإن ضيّعنا هذه الفرصة، نستحق أن نكتب في عداد المستكبرين. ولذلك فإن شهر رمضان في نفس الوقت الذي هو محبوب ومحفوف بالرحمة والمغفرة، مع ذلك مصحوب بالهيبة والعظمة.
كل مآسينا بسبب ابتعادنا عن الله
لابدّ من الاستعداد لشهر رمضان ولذلك فإن شهر شعبان شهر مهمّ لهذا الغرض. فلنسأل الله في هذه الأيّام المتبقّية من شهر شعبان أن يجبر أيّامنا الماضية ويقدّر لنا مستقبلا حسناً. نحن إن تقرّبنا إلى الله تستقم جميع أحوالنا وشؤوننا الروحيّة، إذ كل مآسينا هي بسبب ابتعادنا عن الله.
لقد كان المجاهدون في أيّام الدفاع المقدّس قد آمنوا بهذه الحقيقة بشكل باهر وغريب. فكلما كانت تتأزّم الأوضاع في الجبهة، كانوا يلجأون إلى الله ويتعبّدون ويذكرون، فتنحلّ المشاكل والعقد. كانوا مصدّقين بهذه الحقيقة. حتى لم يكونوا ينتظرون أحدا ليستصحبوه، بل كانوا يذهبون ويلجأون إلى الله فرادى فيناجي كل واحد منهم ربّه بمعزل عن صاحبه، ثمّ يرجعون إلى إخوتهم وقد فكّوا العقد وحلّوا المشاكل.
لقد كان مجهادونا قد أيقنوا بأنه ما لم يتصلوا بالله لن تمشي أمورهم
ممّا لا شك فيه لا يمكن أن نسند كلّ نجاح مجاهدينا إلى ذكائهم العسكري. بالتأكيد إنهم كانوا أذكياء جدّا ولكن لم يكن الذكاء هو العامل الوحيد. كان هؤلاء المجاهدون يخططون خططا يرغمون بها جميع غرف التنظير التي كانت تدعم صدّام يومذاك.
كان مجاهدونا يستخرجون ذكاءهم العسكري عبر اتصالهم بالله. أوتدرون ما الذي كانوا قد أيقنوا به؟ كانوا قد أيقنوا بأنه ما لم يتصلوا بالله لن تمشي أمورهم، ولن تنقدح أفكارهم، ولن تجري الأوضاع لصالحهم. كانوا يدركون مدى البون الشاسع بين حياة الإنسان المقرّب وبين حياة غيره. لم يكونوا عشّاقا وحسب، بل كانوا يخافون الابتعاد عن الله. الأمر الذي قلّ ما نجده في أوساطنا هو «خوف الابتعاد عن الله».
من ذاق حلاوة التقرّب إلى الله يخاف الابتعاد عنه
غالبا ما نحن لا نخاف الابتعاد عن الله، ولكنّ المجاهدين والشهداء كانوا يخافون الابتعاد عن الله، وذلك لما كانوا قد ذاقوا حلاوة القرب من الله، لا لأنهم كانوا يخافون عذاب الله فقط. يقول أمير المؤمنين(ع): «وَ هُمْ فِي ذَلِكَ خَائِفُونَ أَنْ لَا یُقْبَلَ مِنْهُمْ وَلَیْسَ وَاللَّهِ خَوْفُهُمْ خَوْفَ شَکٍّ فِیمَا هُمْ فِیهِ مِنْ إِصَابَةِ الدِّینِ وَ لَکِنَّهُمْ خَافُوا أَنْ یَکُونُوا مُقَصِّرِینَ فِي مَحَبَّتِنَا وَ طَاعَتِنَا» [الكافي/8/128] إن هؤلاء قد ذاقوا لذّة القرب. إن حياة الإنسان المقرّب تختلف عن حياة غيره بكثير. ويعلم هؤلاء أن لابدّ من المداومة على الذكر لكي يبقوا في مقام قربهم بل يتقرّبوا إلى الله أكثر. فمن يعش بهذا الأسلوب يحظ بحياة طيبة من نمط آخر وسوف يعيش عيشة الملائكة، يعني سيكون أحد جنود الله كالملائكة.
يحصل الإنسان المقرّب على عين وأذن من نمط آخر. وكأنه يرتقي إلى مستوى أعلى من نظام العالم. لقد كان الإمام الخميني(ره) نموذجا من هؤلاء الرجال. فقد سأله آية الله السيد بهاء الديني(ره) في أوائل أيام انتصار الثورة: هل تعلم ما هي المخاطر القادمة؟ فأجابه الإمام(ره): «لیس الأمر بيدي»! أتعلمون معنى هذا الجواب؟ يعني أن السيد الإمام(ره) كان قد تجرّد عن نفسه، وتخلّص من قيود أنانيّته. كما أنّه عندما كان يزداد المجاهدون تقرّبا، كانت تعتريهم نفس هذه الحالة، بحيث كانوا يتجرّدون عن قيود أنفسهم وأنانيّتهم. إن هذه الحالة تؤدّي بهم إلى شيء من السكر والنشوة. وهذا هو السكر الذي يبحث عنه العرفاء في أشعارهم.
يتبع إن شاء الله