قال المزني صاحب الشافعي : لو عورض كتاب سبعين مرة لوجدنا فيه خطأ و أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه
نسبه
أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن أصمع بن مظهر بن رياح بن عمرو .... بن معد بن عدنان , المعروف بالأصمعي الباهلي . و قد هجاه أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي بهذاالنسب منها:
ألا هَبَلت كلُّ مَن ينتمي إلى باهلٍ أُمُّهُ الهابلَةْ
فكيفَ إذا كانَ ذا دَعوةٍ و كفّـةُ نسـبته شـائلهْ
نشأته وصفاته
ولد الاصمعي عام 123هـ في البصرة في بيت متواضع وسط حي بني أصمع, كان حسن المظهر كامل الجسم حسن الصحة يتدفق حيوية و نشاط فصيح اللهجة طليق السان, لبقاً , طموحاً,حريصأ على ما عنده , يضاف إلى ذلك أنه خفيف الروح , وافر الملحة, مرهف الحس , ذكي دقيق , الملاحظة , حاضر البديهة, ظريف ظرفاً لا تسيءإليه هجنةأو تشوبه بذاءة و هو مع ذلك كله ورع وفي.
لقد نشأ بين إخوةو في كنف أب يكفونه مؤونة العيش , و إن كان يساعدهم في السوق و لذلك شب طليق الجناح ,صافي الذهن, و كأن الإمام الشافعي عناه بقوله( لو تكلفت بَصَلَهْ ما تعلمت مسألة ) . في وجهه إمارات الذكاء و النباهة , وفي نفسه حب الاستطلاع, و الميل لمعرفة ما يجهل. لم يترك مجتمعاًعاماًإلا جاءه و تفهم أحواله, ولا مؤتمراً بين الناس إلا حضره , ولا مهرجاناً في الأعياد و المواسم إلا شهده أو اشترك فيه ولا سمع ضجةًإلا قصدها ليعرف غايتهاو بواعثها , فهو ابن المجتمع , وتلميذ نشيط من تلاميذ الحياة.
دراسته و علمه
دخل الأصمعي ( الكتّاب ) و هو ابن ست سنين و الكتاتيب في جوامع البصرة كثيرة, لا يكاد يخلو منها حي من الأحياء. و قد ساعدته قدرته على الحفظ , و شغفه الشديد بالعلمعلى ان يفوق أقرانه, فختم القرآن الكريم في سن مبكرة, و حفظ جزءً منه, وصار يقرأ الأدب البسيط ويحفظ الأشعار السهلة , و القصص التاريخية و الدينية التي كانت تعطى صغار الأطفال . و عندما يفع يم وجهه شطر مسجد البصرةالذي كانت أبوابه مفتحة ليل نهار , يؤمه كل راغب بالعلم, إذ كان غاصاً بالأساتذة الذين يتحلق طلابهم و مريدهم حولهم . و لم يكن رواد المسجد من الأساتذة و طلابهم فحسب , و إنما كان يحضر حلقاته من شاء من محبي العلم و الأدب و الشعر , و فيهم التاجر و الصانع , و الأمير و الفقير , و حتى الأعراب الفصحاء , أو الأدباء الذن كانوا يأتون البصرة لشؤوتهم الخاصة , فيدخلون المسجد مستمعين للدروس , وقد يناقشون الشيوخ , و يعرضون ما عندهم من أدب يحفظونه , أو شعر يلقونه , سواء كان مما نظموه أو حفظوه . و حُبّ الأصمعي الشديد للدروس و التحصيل دفعه إلى مواظبة على ارتياد المسجد حتى صار مجديّاً, يقضي ساعات طويلة فيه , و ينتقل من حلقة إلى أخرى , فاتسعت ثروته الأدبية , ونمت ملكته العلمية, و تعمق في النحو , و حفظ من الشعر قدراً كبيراً , فراح يناقش زملائه في المسائل التي تعلمها و أتقنها , ويسأل أساتذته المرة تلو المرة , و يدون الأجوبة , و يستزيد من الشرح , و قد يعرض على ما سمعه من أستاذ إخر بأسلوبه اللطيف , و لهجته العذبة المحببة.
لم يكتف الأصمعي بما كان ينهله من الجامع , و إنما صار يقصد سوق المربد مصطحباً دفاتره و ألواحه , متنقلاً من مكان لآخر , يستمع لشاعر يلقي قصائده , وراوي يروي أخباره , و متحدث يحكي حكماً و نوادر و أمثالاً, فيكتب كل ما يسمع , و كثيراً ما كان يستوقف علماء الأعراب أثناء قدومهم إلى البصرة فيتحدث إليهم و يأخذ ما عندهم مما لا يعرفه , و قد ينزلهم أحياناً ضيوفاً عند بعض أصدقائه الأغنياء , فيعقدون مجالس العلم , و يناقشون , و يعرضون ما عندهم من لغة و شعر و طرائف .
ولم يرو شغف الأصمعي بالعلم ملازمته مجد البصرة , وارتياده سوق المبرد , وأخذه ممن أتوا إلى البصرة , بل صار يتوغل في البوادي قاصداً الأعراب في مواطنهم , فلم يدع بقعة في قلب الجزيرة العربية إلا جاءها , و لا قبيلة إلا زارها و حل عندها ضيفاً . ولم يثنه عن كثرة الترحال متاعب تعرض لها , و أمراض انتابته , بل كان يستسهل ذلك كله في سبيل العلم و المعرفة . و قد نشأت عن رحلاته هذه صلات قوية برجال القبائل الذين كانوا يكرمونه بما عندهم من قرى يقدم . ولغة و أدب و شعر يلقى . و كان الأصمعي يقول : ( العيش في البادية يفتق الأذهان , و يقوم اللسان , و يصقل ديباجة البيان ) و هذا كله جعل الأصمعي وحيد عصره في رواية الشعر و فهمه و نقده و تحليله, حتى إن هارون الرشيد كان يقول له : ( أنت شيطان الشعر ) , ولم يجاره أحد في هذا الميدان إذ كان يروي الأشعار و أسماء شعرائها , وسيرهم و قبائلهم و منازلهم , و هو أحسن من كشف معاني الغريب في الشعر , و أدقّ من الافت إلى ما فيها من أخطاء إن وجدت , و انتحال و سرقة إن وجدا , وله في ذلك قصص كثيرة تدل على نباهته و ذوقه , منها أنه كان يوماً في حلقة أستاذه أبي عمرو بن العلاء الذي كان ينشد أبياتاً للحطيئة حتى وصل إلى قوله :
و غررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر
أي كثير اللبن و التمر , فقال الأصمعي : إني أقرأه : ( لا تني للضيف , تامر )أي لا تتوانى عن ضيفك , تأ مر له بتعجيل القرى ؛ فقال له أبو عمرو : أنت في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة . و إذا كان ( و الفصل ما شهدت به الأعداء ) فإن شهادة خصمه اللدود ابن الأعرابي خير دليل على علو كعبه في المعرفة , إذ قال : شهدت الأصمعي و قد أنشد نحواً من مئتي بيت , ما فيها بيت عرفناه . و أما تلميذه عمر بن شبة قال : سمعت الأصمعي يقول : أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة .
أما في اللغة فقد كان الأصمعي عالماً تحريراً لا يقبل غير الثابت الصحيح , و لا يأخذ إلا ما أجمع عليه العلماء أو فصحاء الأعراب ؛ و قال ابن أخيه عبد الرحمن : كان عمي إذا ورد عليه شيء ينكره من اللغة و الأدب قال : ( جَحْفِلْ به) أي اتركه . و قال أبو حاتم السجسّاني : ( كان الأصمعي يقول أفصح اللغات , و يلغي ما سواها , و أبو زيد يجعل الفصيح و الشاذ واحداً فيجيز كل شيء قيل )
و أما في الحديث النبوي قال الأصمعي : سمعت من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث ) و مع ذلك كان يتقي أن يفسر حديث رسول الله "ص" كما يتقي أن يفسر القرآن .
أساتذته
إن حياة الأصمعي العلمية جعلت من أخذ عنهم العلم أصنافاً ثلاثة , فقد تلقى العلم عن الجماعة من الأساتذة لازم حلقاتهم في جامع البصرة , و أخذ من بعضهم حين قدموا البصرة , و سمع من أولئك الذين قصدهم في أسفاره و رحلاته , و لذلك فإننا نعني بأساتذاه جميع هؤلاء الذين أخذ عنهم , متعلماً أو مناظراً أو متناذراً , كثر ذلك أو قل . و لذلك تصعب الإحاطة بأسماء هؤلاء جميعاً , و لئن ذكرت الكتب أسماء بعضهم إن أسماء بعضهم الآخر لم تصلنا , و أشهر هؤلاء :
1- أبو عمرو بن العلاء
2- عيسى بت عمر الثقفي
3- الخليل بن أحمد الفراهيدي
4- يونس بن حبيب
5- خلف الأحمر
6- شعبة بن حجاج
7- مؤرج بن عمر السدوسي
8- قطرب ( محمد بن المستنير )
9- حماد بن سلمة
10 - حماد بن دريد
11- الأخفش الأوسط ( سعيد بن مسعدة )
12- عبد الله بن عون المزني
13- قرة بن خالد
14- يعقوب بن محمد بن طحلاء
15- مسعر بن كدام
16- سليمان بن المغيرة
17- نافع بن عبد الرحمن
18- مالك بن أتس
19- محمد بن ادريس الشافعي .
20- سفيان بن عيينة
21- حماد بن ميسرة
22- أبو مالك النميري ( عمرو بن كركرة )
23- شبل بن عرعرة الضبعي
24- جهم بن خلف المازني
25- محمد بن هشام بن عوف
26- محمد بن عبد الملك الفقسعي
27- عمرو بن عامر البهدلي
28- الحسن بن علي الحرمازي
29- ربيعة البصري
30- أبو حيوة بن لقيط
31- أبو الدقيش
32- أبو مهدية
33- أبو طفيلة
تلامذته
كان لطريقة الأصمعي في جمع العلم آثار مهمة , إذ أدرت إلى غزارة علمه , و كثرة من أخذ عنهم فعدوا أساتذته , و وفرة من أخذوا منه فعدوا تلامذته ,
و ازدواجية صفة الكثيرين منهم فكانوا أساتذته و تلامذته معاً . و أشهر هؤلاء الذين أخذوا عنه :
1- أبو حاتم السجستاني ( سهل بن محمد )
2- العاباس بن الفرج الرياشي
3- شمر بن حمدويه الهروي
4- أبو هفان ( عبد الله بن أحمد بن حرب )
5- علي بن المغيرة الأثرم
6- أبو عمر الجرمي ( صالح بن اسحاق )
7- أبو عثمان المازني
8- ابن السكيت ( يعقوب بن اسحاق )
9- أبو عمران ( موسى بن عبد الملك )
10- عبد الله بن محمد التوزي
11- يحيى بن وقد الطائي
12- إبراهيم بن سفيان الزيادي
13- أبو عبيد ( القاسم بن سلام )
14- عمر بن شبة
15- محمد بن سلام الجمحي
16- هشام بن ابراهيم الكرنباني
17- أبو نصر ( أحمد بن حاتم البهالي )
18- عبد الرحمن بن عبد الله الأصمي ( ابن أخيه )
19- محمد بن عيسى الترمذي
20- أبو داوود المروزي ( سليمان بن معبد )
21- مالك بن أنس
22- محمد بن إدريس الشافعي
23- عمرو بن مجر الجاحظ
24- أبو العمياء ( محمد بن القاسم )
25- أبو نواس ( الحسن بن هانئ )
26- العباس بن الأحنف
27- إسحاق الموصلي
28- عمرو بن مسعدة
29- نصر بن علي الجهضي
30- أبو جعفر بن ناصح
31- رجاء بن الجارود
32- محمد بن عبد الملك بن زنجويه
33- محمد بن إسحاق الصاغائي
34- يعقوب بن سفيان الفوي
35- بشر بن موسى الأسدي
36- أبو العباس الكديمي
37- أبو عثمان بن نقية
38- أحمد بن محمد اليزيدي
39- العباس بن رستم
شهد الأصمعي نهاية الدولة الأموية و قيام الدولة العباسية , فواكب التطورات العاجلة و المفاجئة , وعاش في جو البصرة المشحون آنذاك بالتيارات المتضاربة في المبادئ الحزبية , و الاعتقادات المذهبية , و كذلك شاهد مولد الخلافات العنصرية بين العرب و الفرس , و اشترك في هذا الغليان المضطرب , ولكنه لم يكن ممن دافعوا عن رأيهم بالدم و السنان و إنما بالرأي و اللسان اللذين ناضل بها خصومه , و نافح بقويتهما عن رأيه و عقيدته , و ليس من شك في أن الصراع الفكري أوسع ميدانه من المعارك العسكرية , و أكثر جمعاً للخصوم و الأعوان , و هو مجال رحب لاحتكاك الآراء الذي يولد النظريات , و يبعث على الدرس ز البحث لتأييد وجهة النظر , فيفيد الطرفين علماً , و يزيدهما اطلاعاً و معرفة .
و لقد كان الأصمعي - بحكم نشأته - أموي الهوى , سني المذهب ثم مال مع جماعته جانب العباسيين , و هو شديد الاعتزاز بقوميته العربية , فلم يعجبه رأي الشعوبيين , و زاد في نقمته عليهم تماديهم في التهجم على العرب , فانغمر في الصراع معهم , يقارعهم حجة بحجة , و دليل بدليل , و شاءت الأقدار أن يظهر في هذا الجو الفكري المحتدم ثلاثة رجال , يتقاربون في الأعمار , و يدرسون في مسجد البصرة , و يختصون في اللغة و الأدب و الأخبار , و قد عاش كل منهم ما ينيف على التسعين عاماً , و كان لهم في العربية آثار واضحة , و إنهم أبو زيد الأنصاري , و أبو عبيدة , و الأصمعي , و قد قال فيهم المبرد : ( كان أبو زيد الأنصاري صاحب لغة و غريب و نحو , و كان أكثر من الأصمعي في النحو ؛ وكان أبو عبيدة أعلم من أبي زيد و الأصمعي بالأنساب و الأيام و الأخبار ؛ و كان الأصمعي بحراًفي اللغة لا يُعرف مثله فيها , و في كثرة الرواية , و كان دون أبي زيد في النحو ). و كأن الظروف أبت إلا أن تذرّ بينهم خلافاً في المبادئ و المذاهب لتضيفه إلى تلك المنافسه الطبيعية بينهم على الفضل والعمنزلة العلمية بين الناس . فقد كان أبو زيد عربياً يرى رأي القدرية في الاعتزال , و أبو عبيدة حفيداً ليهودي من فارس , و متعصبا للشعوبية , و يعتقد عقيدة الخوارج ؛ بينما كان الأصمعي عربياً شديد التعلق بالعروبة , يذهب مذهب أهل السنة .
و لذلك كانت المنافسة بين الأصمعي و أبي عبيدة أكثر حدة , و أشد أواراً منها بين الأصمعي و أبي يزيد . و قد لعبت هذه المنافسة طويلة الأمد , والخلافات العقائدية بين هؤلاء الأتراب و الأقطاب أدواراً مهمة في جو البصرة العلمي مازالت خالدة في بطون الكتب .
يضاف إلى خصمي الأصمعي هذين خصمان آخران كبيران هما محمد بن محمد يحيى بن المبارك اليزيدي الذي كان عدواً لخلف الأحمر صديق الأصمعي و ( عدو صديقك عدوك ) , و ثانيهما ابن الأعرابي الذي نشأت عداوته بسبب تخطئة الأصمعي له أمام الأمير سعيد بس سلم الباهلي في بيت شعر أخطأ فيه أحد أولاد الأمير , وكانوا قد تعلموه من ابي الأعرابي الذي اختاره أبوهم معلماً لهم . و لحقت الخصومة الأصمعي إلى ما بعد وفاته , أثنا تشييع جنازته حين اقترب الشاعر أبو قلابة من الشاعر أبي العالية و همس في أذنه قائلاً :
لعن الله أعظماً حملوها نحو دار البلى على خشبات
أعظماً تكره النبي و آل البيت و الطيبين و الطيبات
آثاره
خلف الأصمعي ثروة ضخمة من المؤلفات إنتاجاً و نقلاً , و لم يكن حظها بأفضل من غيرها من مؤلفات علمائنا الأفذ , إذ أن كثيراً منها لم يصلنا , و لا يعلم مكان وجودها ؛ فهل فقدت كما فقدت غيرها , أم مازالت محفوظة رهينة الحبس تنتظر من يخرجها إلى النور ؟
الكتب
1- الإبل
2- الابواب
3- الأجناس
4- الأخبية و البيوت
5- الاختيار
6- الأراجيز
7- أسماء الخمر
8- الاشتقاق
9- الأصمعيات
10- الأصوات
12- الأضداد
13- الألفاظ
14- الأمثال
15- الأنواء
16- الأوقات
17- جزيرة العرب
18- الخراج
19- خلق الإنسان
20- خلق الفرس
21- الخيل
22- الدارات
23- الدلو
24- الرّحل
25- الرج و اللجام و الشوى و النعال
26- القي و الموارد
27- السلاح
28- الشاء
29- الشعر
30- الصفات
31- العرب من أبناء هود
32- غريب الحديث
33- غريب الحديث و الكلام الوحشي
34- عريب القرآن
35- الفتوح
36- فحولة الشعراء
37- الفرق
38- فعل و أفعل
39- القصائد الست
40- القلب و الإبدال
41- الكرم
42- اللغات
43- لغات القرآن
44- ما اتفق لفظه و اختلف معناه
45- ما اختلف لفظه و اتفق معناه
46- ما تكلم به العرب و كثر في أفواه الناس
47- المذكر و المؤنث
48- المترادف
49- المصادر
50- معاني الشعر
51- المقصور و الممدود
52- مياه العرب
53- الميسر و القداح
54- النبات و الشجر
55- النحلة
56- النخل
57- النسب
58- النوادر
59- نوادر الأعراب
60- الهمز
61- الوحوش
وفاته
دخل الأصمعي العقد العاشر من عمره, و بدأ الضعف يدب في جسده الذي عاش سليماً , و ذاكرته التي أمضت عمرها قوية , فآثر التزام بيته ليستقبل مريديه و محبيه الذين ما انقطعوا عنه . و ما أطل العام الرابع و التسعون من عمره حتى ألمّ به مرض شديد أقعده في فراشه , و هو الذي لم يعرف مرضاً حقيقياً طوال حياته , ثم ثقل عليه المرض و أناخ بكلكله عليه فانقطع عن عوّاده , و لزم الاستغفار و ذكر الله .
و في ليلة من عام 217هـ , و في مدينة البصرة طوى الردى ذلك النجم , فانطفأت الشعلة التي أضاءت في عالم العربية و ماتزال , و تركت للأجيال زاداً لا ينفد , و ينابيع ثرّة ماتزال يُنَهل منها , و صمت البلبل الذي كان يطرب بنغماته , و صعدت روحه إلى الرفيق الأعلى , و سار وراء جنازته المشيعون , و تأبى ألسنة المحبين إلا أن تنطلق حتى قي الساعات الرهيبة , إذ اقترب الشاعر أبو العالية ( الحسن بن مالك الدمشقي ) من أبي العميناء فهمس في أذنه قائلاً :
لا دَّردَرُّ بناتِ الاْرضِ إذ فَجعت بالاْصمعي فقد أبقت لنا أسفا
عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى في الناسِ منه و لا من علمه خلفا
أما أبو العتاهية رثاه بقوله :
أَسِفتُ لِفقدِ الأصمعيّ , لقد مضى حميداً له في كل صالحةٍ سّهمُ
تقضّت بشاشاتُ المجالسِ بعدَهُ و ودَّعنا إذ ودَّعَ الأُنسُ و العلمُ
و قد كانَ نجم العلم فينا حياته فلمّا انقضت أيامُه أَفَلَ
و هكذا انتهت حياة أوثق الناس في اللغة , و أسرع الناس جوابا و أحضر الناس ذهناً , و قد قال فيه هارون الرشيد : ما رأيت أوفى من الأصمعي بعدُ , ما ذكرتُ جعفراً لأحد إلا دعا عليه أو شتمه إلاالأصمعيّ
نقلاً من كتاب:ما اختلفت ألفاظه واتفقت معانيه (للأصمعي)
نسبه
أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن أصمع بن مظهر بن رياح بن عمرو .... بن معد بن عدنان , المعروف بالأصمعي الباهلي . و قد هجاه أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي بهذاالنسب منها:
ألا هَبَلت كلُّ مَن ينتمي إلى باهلٍ أُمُّهُ الهابلَةْ
فكيفَ إذا كانَ ذا دَعوةٍ و كفّـةُ نسـبته شـائلهْ
نشأته وصفاته
ولد الاصمعي عام 123هـ في البصرة في بيت متواضع وسط حي بني أصمع, كان حسن المظهر كامل الجسم حسن الصحة يتدفق حيوية و نشاط فصيح اللهجة طليق السان, لبقاً , طموحاً,حريصأ على ما عنده , يضاف إلى ذلك أنه خفيف الروح , وافر الملحة, مرهف الحس , ذكي دقيق , الملاحظة , حاضر البديهة, ظريف ظرفاً لا تسيءإليه هجنةأو تشوبه بذاءة و هو مع ذلك كله ورع وفي.
لقد نشأ بين إخوةو في كنف أب يكفونه مؤونة العيش , و إن كان يساعدهم في السوق و لذلك شب طليق الجناح ,صافي الذهن, و كأن الإمام الشافعي عناه بقوله( لو تكلفت بَصَلَهْ ما تعلمت مسألة ) . في وجهه إمارات الذكاء و النباهة , وفي نفسه حب الاستطلاع, و الميل لمعرفة ما يجهل. لم يترك مجتمعاًعاماًإلا جاءه و تفهم أحواله, ولا مؤتمراً بين الناس إلا حضره , ولا مهرجاناً في الأعياد و المواسم إلا شهده أو اشترك فيه ولا سمع ضجةًإلا قصدها ليعرف غايتهاو بواعثها , فهو ابن المجتمع , وتلميذ نشيط من تلاميذ الحياة.
دراسته و علمه
دخل الأصمعي ( الكتّاب ) و هو ابن ست سنين و الكتاتيب في جوامع البصرة كثيرة, لا يكاد يخلو منها حي من الأحياء. و قد ساعدته قدرته على الحفظ , و شغفه الشديد بالعلمعلى ان يفوق أقرانه, فختم القرآن الكريم في سن مبكرة, و حفظ جزءً منه, وصار يقرأ الأدب البسيط ويحفظ الأشعار السهلة , و القصص التاريخية و الدينية التي كانت تعطى صغار الأطفال . و عندما يفع يم وجهه شطر مسجد البصرةالذي كانت أبوابه مفتحة ليل نهار , يؤمه كل راغب بالعلم, إذ كان غاصاً بالأساتذة الذين يتحلق طلابهم و مريدهم حولهم . و لم يكن رواد المسجد من الأساتذة و طلابهم فحسب , و إنما كان يحضر حلقاته من شاء من محبي العلم و الأدب و الشعر , و فيهم التاجر و الصانع , و الأمير و الفقير , و حتى الأعراب الفصحاء , أو الأدباء الذن كانوا يأتون البصرة لشؤوتهم الخاصة , فيدخلون المسجد مستمعين للدروس , وقد يناقشون الشيوخ , و يعرضون ما عندهم من أدب يحفظونه , أو شعر يلقونه , سواء كان مما نظموه أو حفظوه . و حُبّ الأصمعي الشديد للدروس و التحصيل دفعه إلى مواظبة على ارتياد المسجد حتى صار مجديّاً, يقضي ساعات طويلة فيه , و ينتقل من حلقة إلى أخرى , فاتسعت ثروته الأدبية , ونمت ملكته العلمية, و تعمق في النحو , و حفظ من الشعر قدراً كبيراً , فراح يناقش زملائه في المسائل التي تعلمها و أتقنها , ويسأل أساتذته المرة تلو المرة , و يدون الأجوبة , و يستزيد من الشرح , و قد يعرض على ما سمعه من أستاذ إخر بأسلوبه اللطيف , و لهجته العذبة المحببة.
لم يكتف الأصمعي بما كان ينهله من الجامع , و إنما صار يقصد سوق المربد مصطحباً دفاتره و ألواحه , متنقلاً من مكان لآخر , يستمع لشاعر يلقي قصائده , وراوي يروي أخباره , و متحدث يحكي حكماً و نوادر و أمثالاً, فيكتب كل ما يسمع , و كثيراً ما كان يستوقف علماء الأعراب أثناء قدومهم إلى البصرة فيتحدث إليهم و يأخذ ما عندهم مما لا يعرفه , و قد ينزلهم أحياناً ضيوفاً عند بعض أصدقائه الأغنياء , فيعقدون مجالس العلم , و يناقشون , و يعرضون ما عندهم من لغة و شعر و طرائف .
ولم يرو شغف الأصمعي بالعلم ملازمته مجد البصرة , وارتياده سوق المبرد , وأخذه ممن أتوا إلى البصرة , بل صار يتوغل في البوادي قاصداً الأعراب في مواطنهم , فلم يدع بقعة في قلب الجزيرة العربية إلا جاءها , و لا قبيلة إلا زارها و حل عندها ضيفاً . ولم يثنه عن كثرة الترحال متاعب تعرض لها , و أمراض انتابته , بل كان يستسهل ذلك كله في سبيل العلم و المعرفة . و قد نشأت عن رحلاته هذه صلات قوية برجال القبائل الذين كانوا يكرمونه بما عندهم من قرى يقدم . ولغة و أدب و شعر يلقى . و كان الأصمعي يقول : ( العيش في البادية يفتق الأذهان , و يقوم اللسان , و يصقل ديباجة البيان ) و هذا كله جعل الأصمعي وحيد عصره في رواية الشعر و فهمه و نقده و تحليله, حتى إن هارون الرشيد كان يقول له : ( أنت شيطان الشعر ) , ولم يجاره أحد في هذا الميدان إذ كان يروي الأشعار و أسماء شعرائها , وسيرهم و قبائلهم و منازلهم , و هو أحسن من كشف معاني الغريب في الشعر , و أدقّ من الافت إلى ما فيها من أخطاء إن وجدت , و انتحال و سرقة إن وجدا , وله في ذلك قصص كثيرة تدل على نباهته و ذوقه , منها أنه كان يوماً في حلقة أستاذه أبي عمرو بن العلاء الذي كان ينشد أبياتاً للحطيئة حتى وصل إلى قوله :
و غررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر
أي كثير اللبن و التمر , فقال الأصمعي : إني أقرأه : ( لا تني للضيف , تامر )أي لا تتوانى عن ضيفك , تأ مر له بتعجيل القرى ؛ فقال له أبو عمرو : أنت في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة . و إذا كان ( و الفصل ما شهدت به الأعداء ) فإن شهادة خصمه اللدود ابن الأعرابي خير دليل على علو كعبه في المعرفة , إذ قال : شهدت الأصمعي و قد أنشد نحواً من مئتي بيت , ما فيها بيت عرفناه . و أما تلميذه عمر بن شبة قال : سمعت الأصمعي يقول : أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة .
أما في اللغة فقد كان الأصمعي عالماً تحريراً لا يقبل غير الثابت الصحيح , و لا يأخذ إلا ما أجمع عليه العلماء أو فصحاء الأعراب ؛ و قال ابن أخيه عبد الرحمن : كان عمي إذا ورد عليه شيء ينكره من اللغة و الأدب قال : ( جَحْفِلْ به) أي اتركه . و قال أبو حاتم السجسّاني : ( كان الأصمعي يقول أفصح اللغات , و يلغي ما سواها , و أبو زيد يجعل الفصيح و الشاذ واحداً فيجيز كل شيء قيل )
و أما في الحديث النبوي قال الأصمعي : سمعت من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث ) و مع ذلك كان يتقي أن يفسر حديث رسول الله "ص" كما يتقي أن يفسر القرآن .
أساتذته
إن حياة الأصمعي العلمية جعلت من أخذ عنهم العلم أصنافاً ثلاثة , فقد تلقى العلم عن الجماعة من الأساتذة لازم حلقاتهم في جامع البصرة , و أخذ من بعضهم حين قدموا البصرة , و سمع من أولئك الذين قصدهم في أسفاره و رحلاته , و لذلك فإننا نعني بأساتذاه جميع هؤلاء الذين أخذ عنهم , متعلماً أو مناظراً أو متناذراً , كثر ذلك أو قل . و لذلك تصعب الإحاطة بأسماء هؤلاء جميعاً , و لئن ذكرت الكتب أسماء بعضهم إن أسماء بعضهم الآخر لم تصلنا , و أشهر هؤلاء :
1- أبو عمرو بن العلاء
2- عيسى بت عمر الثقفي
3- الخليل بن أحمد الفراهيدي
4- يونس بن حبيب
5- خلف الأحمر
6- شعبة بن حجاج
7- مؤرج بن عمر السدوسي
8- قطرب ( محمد بن المستنير )
9- حماد بن سلمة
10 - حماد بن دريد
11- الأخفش الأوسط ( سعيد بن مسعدة )
12- عبد الله بن عون المزني
13- قرة بن خالد
14- يعقوب بن محمد بن طحلاء
15- مسعر بن كدام
16- سليمان بن المغيرة
17- نافع بن عبد الرحمن
18- مالك بن أتس
19- محمد بن ادريس الشافعي .
20- سفيان بن عيينة
21- حماد بن ميسرة
22- أبو مالك النميري ( عمرو بن كركرة )
23- شبل بن عرعرة الضبعي
24- جهم بن خلف المازني
25- محمد بن هشام بن عوف
26- محمد بن عبد الملك الفقسعي
27- عمرو بن عامر البهدلي
28- الحسن بن علي الحرمازي
29- ربيعة البصري
30- أبو حيوة بن لقيط
31- أبو الدقيش
32- أبو مهدية
33- أبو طفيلة
تلامذته
كان لطريقة الأصمعي في جمع العلم آثار مهمة , إذ أدرت إلى غزارة علمه , و كثرة من أخذ عنهم فعدوا أساتذته , و وفرة من أخذوا منه فعدوا تلامذته ,
و ازدواجية صفة الكثيرين منهم فكانوا أساتذته و تلامذته معاً . و أشهر هؤلاء الذين أخذوا عنه :
1- أبو حاتم السجستاني ( سهل بن محمد )
2- العاباس بن الفرج الرياشي
3- شمر بن حمدويه الهروي
4- أبو هفان ( عبد الله بن أحمد بن حرب )
5- علي بن المغيرة الأثرم
6- أبو عمر الجرمي ( صالح بن اسحاق )
7- أبو عثمان المازني
8- ابن السكيت ( يعقوب بن اسحاق )
9- أبو عمران ( موسى بن عبد الملك )
10- عبد الله بن محمد التوزي
11- يحيى بن وقد الطائي
12- إبراهيم بن سفيان الزيادي
13- أبو عبيد ( القاسم بن سلام )
14- عمر بن شبة
15- محمد بن سلام الجمحي
16- هشام بن ابراهيم الكرنباني
17- أبو نصر ( أحمد بن حاتم البهالي )
18- عبد الرحمن بن عبد الله الأصمي ( ابن أخيه )
19- محمد بن عيسى الترمذي
20- أبو داوود المروزي ( سليمان بن معبد )
21- مالك بن أنس
22- محمد بن إدريس الشافعي
23- عمرو بن مجر الجاحظ
24- أبو العمياء ( محمد بن القاسم )
25- أبو نواس ( الحسن بن هانئ )
26- العباس بن الأحنف
27- إسحاق الموصلي
28- عمرو بن مسعدة
29- نصر بن علي الجهضي
30- أبو جعفر بن ناصح
31- رجاء بن الجارود
32- محمد بن عبد الملك بن زنجويه
33- محمد بن إسحاق الصاغائي
34- يعقوب بن سفيان الفوي
35- بشر بن موسى الأسدي
36- أبو العباس الكديمي
37- أبو عثمان بن نقية
38- أحمد بن محمد اليزيدي
39- العباس بن رستم
شهد الأصمعي نهاية الدولة الأموية و قيام الدولة العباسية , فواكب التطورات العاجلة و المفاجئة , وعاش في جو البصرة المشحون آنذاك بالتيارات المتضاربة في المبادئ الحزبية , و الاعتقادات المذهبية , و كذلك شاهد مولد الخلافات العنصرية بين العرب و الفرس , و اشترك في هذا الغليان المضطرب , ولكنه لم يكن ممن دافعوا عن رأيهم بالدم و السنان و إنما بالرأي و اللسان اللذين ناضل بها خصومه , و نافح بقويتهما عن رأيه و عقيدته , و ليس من شك في أن الصراع الفكري أوسع ميدانه من المعارك العسكرية , و أكثر جمعاً للخصوم و الأعوان , و هو مجال رحب لاحتكاك الآراء الذي يولد النظريات , و يبعث على الدرس ز البحث لتأييد وجهة النظر , فيفيد الطرفين علماً , و يزيدهما اطلاعاً و معرفة .
و لقد كان الأصمعي - بحكم نشأته - أموي الهوى , سني المذهب ثم مال مع جماعته جانب العباسيين , و هو شديد الاعتزاز بقوميته العربية , فلم يعجبه رأي الشعوبيين , و زاد في نقمته عليهم تماديهم في التهجم على العرب , فانغمر في الصراع معهم , يقارعهم حجة بحجة , و دليل بدليل , و شاءت الأقدار أن يظهر في هذا الجو الفكري المحتدم ثلاثة رجال , يتقاربون في الأعمار , و يدرسون في مسجد البصرة , و يختصون في اللغة و الأدب و الأخبار , و قد عاش كل منهم ما ينيف على التسعين عاماً , و كان لهم في العربية آثار واضحة , و إنهم أبو زيد الأنصاري , و أبو عبيدة , و الأصمعي , و قد قال فيهم المبرد : ( كان أبو زيد الأنصاري صاحب لغة و غريب و نحو , و كان أكثر من الأصمعي في النحو ؛ وكان أبو عبيدة أعلم من أبي زيد و الأصمعي بالأنساب و الأيام و الأخبار ؛ و كان الأصمعي بحراًفي اللغة لا يُعرف مثله فيها , و في كثرة الرواية , و كان دون أبي زيد في النحو ). و كأن الظروف أبت إلا أن تذرّ بينهم خلافاً في المبادئ و المذاهب لتضيفه إلى تلك المنافسه الطبيعية بينهم على الفضل والعمنزلة العلمية بين الناس . فقد كان أبو زيد عربياً يرى رأي القدرية في الاعتزال , و أبو عبيدة حفيداً ليهودي من فارس , و متعصبا للشعوبية , و يعتقد عقيدة الخوارج ؛ بينما كان الأصمعي عربياً شديد التعلق بالعروبة , يذهب مذهب أهل السنة .
و لذلك كانت المنافسة بين الأصمعي و أبي عبيدة أكثر حدة , و أشد أواراً منها بين الأصمعي و أبي يزيد . و قد لعبت هذه المنافسة طويلة الأمد , والخلافات العقائدية بين هؤلاء الأتراب و الأقطاب أدواراً مهمة في جو البصرة العلمي مازالت خالدة في بطون الكتب .
يضاف إلى خصمي الأصمعي هذين خصمان آخران كبيران هما محمد بن محمد يحيى بن المبارك اليزيدي الذي كان عدواً لخلف الأحمر صديق الأصمعي و ( عدو صديقك عدوك ) , و ثانيهما ابن الأعرابي الذي نشأت عداوته بسبب تخطئة الأصمعي له أمام الأمير سعيد بس سلم الباهلي في بيت شعر أخطأ فيه أحد أولاد الأمير , وكانوا قد تعلموه من ابي الأعرابي الذي اختاره أبوهم معلماً لهم . و لحقت الخصومة الأصمعي إلى ما بعد وفاته , أثنا تشييع جنازته حين اقترب الشاعر أبو قلابة من الشاعر أبي العالية و همس في أذنه قائلاً :
لعن الله أعظماً حملوها نحو دار البلى على خشبات
أعظماً تكره النبي و آل البيت و الطيبين و الطيبات
آثاره
خلف الأصمعي ثروة ضخمة من المؤلفات إنتاجاً و نقلاً , و لم يكن حظها بأفضل من غيرها من مؤلفات علمائنا الأفذ , إذ أن كثيراً منها لم يصلنا , و لا يعلم مكان وجودها ؛ فهل فقدت كما فقدت غيرها , أم مازالت محفوظة رهينة الحبس تنتظر من يخرجها إلى النور ؟
الكتب
1- الإبل
2- الابواب
3- الأجناس
4- الأخبية و البيوت
5- الاختيار
6- الأراجيز
7- أسماء الخمر
8- الاشتقاق
9- الأصمعيات
10- الأصوات
12- الأضداد
13- الألفاظ
14- الأمثال
15- الأنواء
16- الأوقات
17- جزيرة العرب
18- الخراج
19- خلق الإنسان
20- خلق الفرس
21- الخيل
22- الدارات
23- الدلو
24- الرّحل
25- الرج و اللجام و الشوى و النعال
26- القي و الموارد
27- السلاح
28- الشاء
29- الشعر
30- الصفات
31- العرب من أبناء هود
32- غريب الحديث
33- غريب الحديث و الكلام الوحشي
34- عريب القرآن
35- الفتوح
36- فحولة الشعراء
37- الفرق
38- فعل و أفعل
39- القصائد الست
40- القلب و الإبدال
41- الكرم
42- اللغات
43- لغات القرآن
44- ما اتفق لفظه و اختلف معناه
45- ما اختلف لفظه و اتفق معناه
46- ما تكلم به العرب و كثر في أفواه الناس
47- المذكر و المؤنث
48- المترادف
49- المصادر
50- معاني الشعر
51- المقصور و الممدود
52- مياه العرب
53- الميسر و القداح
54- النبات و الشجر
55- النحلة
56- النخل
57- النسب
58- النوادر
59- نوادر الأعراب
60- الهمز
61- الوحوش
وفاته
دخل الأصمعي العقد العاشر من عمره, و بدأ الضعف يدب في جسده الذي عاش سليماً , و ذاكرته التي أمضت عمرها قوية , فآثر التزام بيته ليستقبل مريديه و محبيه الذين ما انقطعوا عنه . و ما أطل العام الرابع و التسعون من عمره حتى ألمّ به مرض شديد أقعده في فراشه , و هو الذي لم يعرف مرضاً حقيقياً طوال حياته , ثم ثقل عليه المرض و أناخ بكلكله عليه فانقطع عن عوّاده , و لزم الاستغفار و ذكر الله .
و في ليلة من عام 217هـ , و في مدينة البصرة طوى الردى ذلك النجم , فانطفأت الشعلة التي أضاءت في عالم العربية و ماتزال , و تركت للأجيال زاداً لا ينفد , و ينابيع ثرّة ماتزال يُنَهل منها , و صمت البلبل الذي كان يطرب بنغماته , و صعدت روحه إلى الرفيق الأعلى , و سار وراء جنازته المشيعون , و تأبى ألسنة المحبين إلا أن تنطلق حتى قي الساعات الرهيبة , إذ اقترب الشاعر أبو العالية ( الحسن بن مالك الدمشقي ) من أبي العميناء فهمس في أذنه قائلاً :
لا دَّردَرُّ بناتِ الاْرضِ إذ فَجعت بالاْصمعي فقد أبقت لنا أسفا
عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى في الناسِ منه و لا من علمه خلفا
أما أبو العتاهية رثاه بقوله :
أَسِفتُ لِفقدِ الأصمعيّ , لقد مضى حميداً له في كل صالحةٍ سّهمُ
تقضّت بشاشاتُ المجالسِ بعدَهُ و ودَّعنا إذ ودَّعَ الأُنسُ و العلمُ
و قد كانَ نجم العلم فينا حياته فلمّا انقضت أيامُه أَفَلَ
و هكذا انتهت حياة أوثق الناس في اللغة , و أسرع الناس جوابا و أحضر الناس ذهناً , و قد قال فيه هارون الرشيد : ما رأيت أوفى من الأصمعي بعدُ , ما ذكرتُ جعفراً لأحد إلا دعا عليه أو شتمه إلاالأصمعيّ
نقلاً من كتاب:ما اختلفت ألفاظه واتفقت معانيه (للأصمعي)
